خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز : احترام الكبير
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : احترام الكبير ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 13 ذو القعدة 1444هـ ، الموافق 2 يونيو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 يوينو 2023م بصيغة word بعنوان : احترام الكبير ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 يونيو 2023م بصيغة pdf بعنوان : احترام الكبير ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 2 يونيو 2023م بعنوان : فاحترام الكبير.
أولًا: الاحترامُ مِن شيمِ الكبارِ.
ثانيــــًا: احترامُ الكبيرِ مِن أخلاقِ الإسلامِ.
ثالثــــًا: عدمُ احترامِكَ للآخرين إهانةٌ لك قبلَ الآخرين.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 2 يونيو 2023م بعنوان : احترام الكبير: كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة : احترامُ الكبيرِ
للدكتور محمد حرز ، ذو القعدة بتاريخ 1444هـ، الموافق 2 يوينو 2023م
الحمدُ لله القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ (البقرة: 83)، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وحبيبهُ، القائلُ كما في حديثِ أنسٍ رضى اللهُ عنه قال: كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يقولُ:( ليس منَّا مَن لَم يرحمْ صغيرَنا، ويُوَقِّرْ كبيرَنا )وفي رواية:(و يعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا)رواه أبو داود وأحمد في مسنده، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آله وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}الحشر: 18
عبادَ الله: (( احترامُ الكبيرِ )) عنوانُ وزارتنِا وعنوانُ خطبتِنا
عناصر اللقاء:
أولًا: الاحترامُ مِن شيمِ الكبارِ.
ثانيــــًا: احترامُ الكبيرِ مِن أخلاقِ الإسلامِ.
ثالثــــًا: عدمُ احترامِكَ للآخرين إهانةٌ لك قبلَ الآخرين.
أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا إلى أنْ يكونَ حديثُنا في هذه الدقائقِ المعدودة ِعن احترامِ الكبير، واحترامِ القيمِ واحترامِ النفسِ، واحترامِ الآخرين. وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا قلَّ فيهِ الاحترامُ بينَ الكثيرِ مِن الناسِ إلّا ما رحمَ اللهُ جلّ وعلا. والاهانةُ وعدمُ احترامِ الآخرين انتشرتْ بصورةٍ مخزيةٍ بينَ الولدِ وأبيِهِ وبينَ الأخ ِوأخيِهِ وبينَ الجارِ وجارِهِ وبينَ التلميذِ وأستاذِهِ وبينَ المرؤوسين والرؤساءِ فأينَ نحنُ مِن ثقافةِ الاحترامِ التي أمرنَا بها الإسلامُ ونبيُّ الإسلامِ ﷺ؟ فالاحترامُ أجملُ أثرٍ يتركُهُ الإنسانُ في قلوبِ الآخرين.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز : احترام الكبير
أولًا: الاحترامُ مِن شيمِ الكبارِ.
أيُّها السادةُ: نبيُّنَا هو نبيُّ الأخلاقِ، ودينُنَا هو دينُ الأخلاقِ، وشريعتُنَا هي شريعةُ الأخلاقِ، وقرآنُنَا هو قرآنُ الأخلاقِ، بل الغايةُ الأسمَى مِن بعثتِه ﷺ هي الأخلاقُ فقال كما في حديث أبي هريرةَ رضى اللهُ عنه وأرضاه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ : { بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } رواه البخاري في الأدبِ المفردِ، فالمؤمنُ بلا شك يريدُ أنْ يكونَ محبوبًا لدي الخالقِ، ومحبوبًا لدي الخلقِ، يريدُ أن يكونَ وجيهًا في الدنيا ووجيهًا في الآخرةِ، يريدُ أن يُؤتَى في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً .ولا يكونُ هذا إلّا بفضلِ اللهِ تباركَ وتعالى ثم بحُسْنِ خلقٍ، يرزقه اللهُ تبارك وتعالى العبدَ إياه، لذا كان أعلى الناسِ منزلةً يومَ القيامةِ هو سيدُ ولدِ آدمَ ونبيُّ الأخلاقِ ﷺ، ومِن أعظمِ الأخلاقِ التي ينبغي أنْ يتحلَّى بها المسلمُ في حياتِه: خلقُ الاحترامِ واحترامِ القيمِ، والاحترامُ أيُّها السادةُ خلقٌ عظيمٌ من أخلاقِ الدينِ، ومبدأٌ كريمٌ مِن مبادئِ الإسلامِ، وشِيمةٌ مِن شيمِ الأبرارِ الأخيارِ، وصفةً مِن صفاتِ المؤمنين الموحدين، أمرنَا بها الدينُ، وتخلّقَ بها سيدُ المرسلين ﷺ، تدلُ على سموِّ النفسِ، وعظمةِ القلبِ، وسلامةِ الصدرِ، ورجاحةِ العقلِ، ووعيِ الروحِ، ونبلِ الإنسانيةِ وأصالةِ المعدنِ . واحترامُ الناسِ وتوقيرُهم أدبٌ رفيعٌ يتحلَّى به الموحدُون، ويتصفُ به الكبارُ.
أيُّها السادةُ: لقد خلقَ اللهُ -تعالى- الإنسانَ مكرمًا محترمًا، كما قالَ ربُّنَا: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين: 4)، وقالَ جلّ وعلا: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) (الإسراء: 70)، فالإنسانُ بطبيعتِهِ وفطرتِهِ مخلوقٌ محترمٌ فهو يحبُّ الاحترامَ، ويحبُّ أن يُحترمَ، ولا يرضَى أنْ يُهانَ بأيِّ نوعٍ مِن الإهانةِ, ودينُنَا دينٌ يحترمُ الإنسانَ ويدعُو إلى احترامِهِ وتكريمِهِ حتّى في دعوتِهِ إلى اللهِ تعالى فإنَّه لا يُكرهُ أحدًا على الدخولِ فيه، قالَ جلّ وعلَا: ((لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ))(البقرة:256 )، بل إِنَّ الْعَلاَقَاتِ الاِجْتِمَاعِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الاِحْتِرَامِ الْمُتَبَادَلِ بَيْنَ الْجَمِيعِ .وَثَقَافَةُ الاِحْتِرَامِ أَسَاسُ التَّوَاصُلِ وَالتَّعَامُلِ بَيْنَ النَّاسِ، فَكُلُّهُمْ مُكَرَّمُونَ، وَالاِحْتِرَامُ يَدُلُّ عَلَى الرُّقِيِّ وَالتَّحَضُّرِ، وَهُوَ ثَقَافَةٌ تَتَرَبَّى عَلَيْهَا الشُّعُوبُ، فَكَمْ مِنْ حَضَارَةٍ أَوْ بَلَدٍ تَمَيَّزَ بِاحْتِرَامِهِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ، وَاحْتِرَامِهِ لِلآخَرِينَ، وَبِهَا عُرِفَ، وإنَّ المرءَ بأخلاقِهِ ودينِهِ يسعُ الناسَ ولا يسعهُم بمالِهِ وأملاكِهِ، فالاحترامُ صفةٌ أخلاقيةٌ حميدةٌ، وحاجةٌ إنسانيةٌ نبيلةٌ، وهي قاعدةٌ مهمةٌ في بناءِ العلاقاتِ العامةِ، وكسبِ ودِّ الآخرين ومحبتِهم، والاستزادةِ مِن الأصدقاءِ والمعارف.ِ
أيُّها السادةُ: لو نظرنَا إلى القرآنِ الكريمِ وتأملنَا ما فيه لوجدنَاهُ يأمرُنَا بالاحترامِ والأدبِ والتخلقِ مع الناسِ بأخلاقِ الإسلامِ وكيف لا ؟ واللهُ أمرَ نبيَّه ﷺ بالاحترامِ وبالأدبِ وباللينِ وبالرفقِ مع أصحابهِ بل ومع الناسِ أجمعين فقال مخاطبًا إياه: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر: 88، وقال جل وعلا: (فبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران: 159.ولم لا ؟ ولقد جاءَ الاحترامُ في الإسلامِ في المخاطبةِ والحديثِ مع الناسِ فقال تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة: 83، أي تخيرُوا مِن الكلماتِ أحسنَهَا ومِن العباراتِ أدقَّهَا ومِن الألفاظِ أجملَهَا جبرًا لخواطرِ الناسِ ومراعاةً لمشاعرِهِم واحترامِهِم، وفيمَا بينَ المؤمنين أنفسِهِم أمرَهُم بالاحترامِ والأدبِ والأخلاقِ قال تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الإسراء: 53، أو في دعوةِ الناسِ إلى الإسلامِ حتى وهم كفارٌ ملحدون أمرنَا بالحكمةِ والاحترامِ والأدبِ والتخلقِ بأخلاقِ الإسلامِ قال تعالى:(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل: 125، وقال جلَّ وعلا: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) العنكبوت: 46، وقال تعالى لموسى وهارون -عليهما السلام عندمَا أمرهُمَا بالذهابِ إلى فرعونَ فقالَ ربُّنَا: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى, فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طـه:43 ،44، يا الله، لفرعونَ الذي قالَ:( أنَا ربُّكُم الأعلى)، فبما بالكُم بمَن قالَ: ( سبحانَ ربِّيَ الأعلَى)؟، حتى في الخصومةِ مع الآخرين أمرنَا بالاحترامِ وبعدمِ الاهانةِ وتحقيِرِ الناسِ قال ربُّنا : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت: 34، وعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: (أَحْبِبْ حبيبَك هونًا مَا، عسى أنْ يكونَ بغيضَكَ يومًا مَا، وأبغضْ بغيضَكَ هونًا مَا، عسى أنْ يكونَ حبيبَكَ يومًا مَا) رواه الترمذي، فالاحترامُ هو أساسُ المودةِ والمحبةِ والألفةِ والتعاونِ بين الناسِ، وهو أساسُ نجاحِ العَلاقاتِ مع الآخرين، والواقعُ خيرُ شاهدٍ على ما أقولَ، فالمحترمُ يحبُّه الناسُ ويوقرهُ الناسُ ويعظمهُ الناسُ، والسيئُ والبذيءُ يكرهُهُ الناسُ ويحتقرُهُ الناسُ ويقللُ الناسُ مِن شأنِهِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
يخاطبُنِي السفيهُ بكلِّ قُبحٍ *** وأكرَهُ أنْ أكونَ له مُجـيـبَـا
يزيدُ سَفاهةً وأزيدُ حِلمًا *** كعُودٍ زادَهُ الإحراقُ طـِيبَــا
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز : احترام الكبير
ثانيــــًا: احترامُ الكبيرِ مِن أخلاقِ الإسلامِ.
أيُّها السادةُ: إنَّ مِن عظمةِ الإسلامِ أنَّه كما اهتمَّ بالإنسانِ صغيرًا ووجّهَ الأسرةَ والمجتمعَ إلى رعايتهِ والاهتمامِ بشأنهِ، فإنَّهُ أمرَ بحسنِ رعايةِ واحترامِ الكبيرِ في الإسلامِ مهمَا كان، أبًا أو أمًّا، قريبًا أم بعيدًا، جارًا أم صديقًا، أخًا أم عمًّا أم خالًا، معروفًا أم غريبًا، فقالَ جلّ وعلا في حقِّ الوالدينِ: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:23-24]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: “هَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟” قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا وَلَقَدْ تَرَكْتُهُمَا يَبْكِيَانِ قَالَ: “فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللهِ؟” قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: “فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ أَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا وَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا”، وَأَبَى أَنْ يُبَايِعَهُ)) رواه أبو داود والنسائي، ولقد عَدَّ رَسُولُ ﷺ اللهِ توقيرَ الكبيرِ مَهْمَا كان من سُننِ الإسلامِ؛ فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِﷺ: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا”(رواه أحمد) وجعلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ للشيبِ قيمةً عظيمة، وأجراً كبيراً؛ فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: “نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ”، وَقَالَ: “هُوَ نُورُ الْمُؤْمِنِ”، وَقَالَ: “مَا شَابَ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ شَيْبَةً، إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةٌ، وَكُتِبَتْ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ))رواه أحمد وصححه الأرناؤوط). وذهبَ الإسلامُ في تقديرِ الكبارِ وأصحابِ الفضل، إلى أبعد مِن ذلك فعَدَّ تكريمَهُم مِن إجلالِ اللهِ وتعظيمِه، فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ -أَيْ: تَبْجِيله وَتَعْظِيمه- إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ -أَيْ: تَعْظِيمُ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ فِي الْإِسْلَام، بِتَوْقِيرِهِ فِي الْمَجَالِس، وَالرِّفْقِ بِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَنَحْو ذَلِكَ- وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ”-العَادِلِ))رواه أبو داود، وكان رَسُولُ اللهِ ﷺ يُقَدِمُ الكبيرَ في الحديثِ ويسمعُ منه؛ فقد انْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ، وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، وَهُوَ أَحْدَثُ القَوْمِ؛ فَقَالَ النَّبِيِّ ﷺ: “كَبِّرْ كَبِّرْ” يُرِيدُ السِّنَّ، فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ.(رواه البخاري). . هكذا خلُقُ الإسلام، وهكذا رُبِّي المسلمون على هذه التربيةِ العظيمة، أنْ يحترِمَ صغارُهُم كبارَهُم، وأنْ يرحَمَ كبارُهُم صغارَهُم، وأنْ تتبادلَ المنافعُ بينَ الجميعِ؛ ليكونَ المجتمعُ المسلمُ مجتمعًا مترابِطًا، متعاونًا على الخيرِ والتقوى. ولم يقتصرْ الحثُّ على احترامِ الكبيرِ ورعايتهِ على المسلمِ فحسب، بل شملَ غيرَ المسلمين، فعَن أبي بكرَة قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِبَابِ قَوْمٍ وَعَلَيْهِ سَائِلٌ يَسْأَلُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَضَرَبَ عَضُدَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَقَالَ: مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْتَ؟ فَقَالَ: يَهُودِيٌّ. قَالَ: فَمَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى؟ قَالَ: أَسْأَلُ الْجِزْيَةَ وَالْحَاجَةَ وَالسِّنَّ قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَرَضَخَ لَهُ بِشَيْء مِنَ الْمَنْزِلِ -أَي أعطَاهُ شَيْئا لَيْسَ بالكثير-، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَازِنِ بَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ: انْظُرْ هَذَا وَضُرَبَاءَهُ؛ فَوَاللَّهِ مَا أَنْصَفْنَاهُ أَنْ أكلنَا شَبِيْبَتَهُ ثُمَّ نَخُذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ، (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)[التوبة:60]، وَالْفُقَرَاءُ هُمُ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا مِنَ الْمَسَاكِينِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَوَضَعَ عَنْهُ الْجِزْيَةَ وَعَنْ ضُرَبَائِهِ)) بل مِن رعايةِ الإسلامِ للكبارِ أنّهُ رخصَّ لهُم في كثيرٍ مِن العباداتِ والطاعاتِ في القيامِ والصيامِ والحجِّ والجهادِ؛ رحمةً ورأفةً بهم، فقد أمضُوا سنواتِ عمرِهُم في هذه الطاعاتِ، فلمّا كبرَ سنهُم ورقَّ عظمُهُم وخارتْ قواهُم راعى الإسلامُ هذه الحالَ، ووجّهَ إلى التخفيفِ والتيسيرِ، وتكليفِ العبدِ بعدَ الفرائضِ ما يطيقُ مِن العباداتِ.فهذا رجلٌ كبيرُ السنِّ -كما في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ بسرٍ- يأتي للنبيِّ ﷺ فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، إنّ شرائعَ الإسلامِ قد كثرتْ عليّ! فأخبِرْنِي بشيءٍ أتشبثُ بهِ. وفي روايةٍ: ولا تُكْثِرْ. فقال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: “لا يزالُ لسانكَ رطبًا مِن ذكرِ اللهِ تعالى” رواه الترمذي، فإذا كانتْ توجيهاتُ هذا الدينِ نحوَ الكبارِ واحترامهِم بهذا السموِّ، فأين هذه القيمةُ العظيمةُ في حياتِنَا؟ وأين حقوقهُم في مجتمعاتِنَا وفي سلوكِنَا وتعاملاتِنَا؟ فكم مِن أبوينِ كبيرينِ عقّهُمَا وهجرَهُمَا وأساءَ معاملتهمَا أبناؤهُمَا! وكم مِن شيخٍ أو إنسانٍ كبيرٍ تطاولَ عليهِ الصغارُ والشبابُ وسخرُوا مِن كلامهِ ورأيهِ، وتقدمُوا عليهِم في المجالسِ والطعامِ والشرابِ! وكم نرى شبابًا تستطيلُ ألسنتُهُم على الكبارِ! وكم نرى شبابًا لا يعرِفُ للكبيرِ أيَّ قدرٍ ولا أيَّ مكانةٍ! قد يلمِزهُ بجهلهِ، وقد يلمزهُ بضَعفِ رأيهِ، وقد يلمزهُ بقِلّةِ علمهِ، وقد يلمِزهُ بعدَمِ نظافةِ ملبَسهِ.كلُّ هذه الأمورِ -وغيرِهَا- لا يجبُ أنْ تحمِلَكَ على إهانةِ الكبيرِ، بل قدِّرْ الكبيرَ وعظِّمْه، وأظهرْ لأولادِكَ عندمَا يزورونَ معكَ رحِمًا أنّك تقدِّمُ الأكبرَ فالأكبرَ، فهذا مِن إجلالِكَ للهِ، ولن يخيبَ اللهُ رجاءَكَ يومَ أنْ تأتيكَ هذه المرحلةُ مِن عمرِكَ فتحتاجَ إلى مَن يساعدُكَ ويعاملُكَ المعاملةَ الحسنةَ، واعلمْ أنَّ الجزاءَ مِن جنسِ العملِ، وكما تدينُ تُدان. وأين منظماتُ حقوقِ الإنسانِ اليومَ عن مثلِ هذه الأحكامِ وهذه التشريعاتِ؟! ولماذا لا نعودُ لقيمِنَا وأخلاقِنَا ونعلمُهَا لأبنائِنَا وننشرُهَا للعالمِ كلِّهِ؟ ففيها السعادةُ والراحةُ والحبُّ والتآلفُ والتراحمُ. وصدقَ المعصومُ ﷺ إذ يقولُ كما في الصحيحينِ مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)، واحترامُ الكبيرِ ببذلِ الندَى له، وكفِّ الأذَى عنهُ، وصدقَ نبيُّنَا ﷺ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ: « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ)، وحَقُّ الكبيرِ التقديرُ والاحترامُ، وتقديمهُ في الأكلِ والشربِ، وفي الشارعِ والسوقِ وفي وسائلِ المواصلاتِ، وعندَ الحديثِ لا تقاطعْهُ حتى ينتهِي، وفي المجلسِ ينبغِي أنْ يجلسَ في المكانِ اللائقِ بهِ، وإذا رأيتَهُ عليكَ أنْ تبدأَ بالسلامِ عليهِ، وأنْ تُظهرَ له الفرحَ والسرورَ، وعليكَ مخاطبتَهُ بأفضلِ وأحبِّ الأسماءِ إلى النفسِ، وإذا أخطأَ الكبيرُ وجبَ عليكَ تقديمُ النصحِ بأسلوبٍ مهذبٍ وراقٍ، حتى وإنْ لم يقتنعْ فقد قمتَ بدورِكَ وواجبِكَ. ومِنْ إِجْلَالِ الْكَبِيرِ: التَّوْسِعَةُ لِلْقَادِمِ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ إِذَا أَمْكَنَ التَّوْسِيعُ لَهُ، سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ أُمِرَ بِإِكْرَامِهِ مِنَ الشُّيُوخِ سَوَاءٌ كَانَ ذَا شَيْبَةٍ، أَوْ ذَا عِلْمٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ كَبِيرَ قَوْمٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمٌ فَأَكْرِمُوهُ». فاحترامُ الكبيرِ خُلُقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الدينِ، فاحرصُوا عليهِ أيُّها الأخيارُ لتفوزُوا في الدنيا والآخرةِ.
أحزانُ قلبِي لا تزولُ** حتى أبشرَ بالقبولِ
وأرى كتابِي باليمينِ ** وتقرُّعينِي بالرسولِ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم.
الخطبة الثانية : الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللِه ولا يستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ……. وبعدُ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز : احترام الكبير
ثالثــــًا: عدمُ احترامِكَ للآخرين إهانةٌ لكَ قبلَ الآخرين.
أيُّها السادةُ: إنَّ احتقارَ الناسِ وإهانتَهُم وعدمَ احترامِهِم إهانةٌ لنفسِكَ أولًا وإهانةٌ لمَن ربَّاكَ فاجعلْ مَن يراكَ يدعُوا لِمَن ربَّاكَ لا يدعوا عليهم، لا تكنْ سببًا لجلبِ السيئاتِ لنفسِكَ والأذَى لأهلِكَ، فعدمُ احترامِ الآخرين داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ، ووباءٌ خلقيٌّ كبيرٌ، ما فشا في أمةٍ إلّا كانَ نذيرًا لهلاكِهَا وما دبَّ في أسرةٍ إلّا كان سببًا لفنائِهَا، فهو مصدرُ كلِّ عداءٍ، وينبوعُ كلِّ شرٍ وتعاسةٍ. والاحتقارُ صفةُ ذميمةٌ لا يتصفُ بها إلا ذميمٌ مذمومٌ ولا يحتقرُ الناسَ إلا حقيرٌ ناقصٌ؛ لأنّ الاحتقارَ صفةُ المستكبرين وسمةُ الجاهلين وعلامةُ الخاسرين ودليلٌ على ضعفِ الإيمانِ لذا نهانَا الإسلامُ عن الإسقاطِ أو الاحتقارِ أو التصغيرِ أو السخريةِ أو الغمزِ واللمزِ وصدقَ ربُّنا إذ يقولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الحجرات:11 ،بل لقد أصبحَ في زمنِنَا هذا: صنفان مِن الناسِ: عابدٌ سيئُ الأخلاقِ لا يحترمُ الناسَ ولا يعرفُ قدرَهُم، وذُو خلقٍ سيئِ العبادةِ ويقولُ: الدينُ في القلب. كلا لقد توعدَ اللهُ جل وعلا هذا وذاك كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ:” هِيَ فِي النَّارِ“ لماذا لأنها لا تحترمٌ الجيرانَ ولا تحسنُ إليهم ,قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ:( هِيَ فِي الْجَنَّةِ)رواه أحمد، بل المفلسُ مَن؟ كما قال النبيُّ المختارُ ﷺ سيئُ الأخلاقِ لا يحترمّ الناسَ، ولا يحترمُ القيمَ والمبادئَ، ففي صحيحِ مسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمتى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) فاللهَ اللهَ في الاحترامِ الكبير، اللهَ اللهَ في الأخلاقِ، اللهَ اللهَ في التأسيِ بسيدِ الأخلاقِ ﷺ .
وكيف لا؟ ونبيُّنَا ﷺ علَّمَ الدنيا كلَّهَا الاحترامَ والأدبَ والأخلاقَ الحسنةَ الطيبةَ، فلقد اجتمعتْ في النبيِّ ﷺ خصالُ الخيرِ كلُّهَا، من حياءٍ وشجاعةٍ وعفةٍ وكرامةٍ وحلمٍ وطهارةٍ واحترامٍ وأدبٍ، لذا قال اللهُ مخاطبًا إياهُ: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم ) سورة القلمِ :4، بل لمَّا سُئلتْ عَائِشَةُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ـ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَتْ: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ) رواه أحمد، ويقولُ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:( خَدَمْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ ) رواه البخاري، اللهُ أكبرُ إنّهُ الاحترامُ يا سادةٌ الذي تجسدَ في شخصيةِ المصطفى ﷺ.
وكيف لا؟ ويغضبُ المصطفى ﷺ على ابنِ مسعودٍ الذي يضربُ غلامَهُ بالسوطِ ويهددهُ بأنَّ اللهَ أقدرُ وأقوى عليهِ مِن قدرتهِ على هذا الخادمِ الضعيفِ، فقال ابنُ مسعودٍ كما في صحيح مسلم (كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِن خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عليه، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هو رَسولُ اللهِ ﷺ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هو حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقالَ: أَما لو لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ) .ويقفُ النبيُّ ﷺ احترامًا لجنازةِ ميتٍ، ففي صحيحِ البخاري كانَ سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ، وقَيْسُ بنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عليهما بجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فقِيلَ لهما: إنَّهَا مِن أَهْلِ الأرْضِ أَيْ مِن أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقالَا: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرَّتْ به جِنَازَةٌ فَقَامَ، فقِيلَ له: إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقالَ: أَليسَتْ نَفْسًا) اللهَ اللهَ في الاحترامِ حتى مع غيرِ المسلمين.
أيُّها السادةُ : ما وددتُ أنْ أوصلَهُ إليكُم في هذا اللقاءِ أنَّ الاحترامَ بصفةٍ عامةٍ واحترامَ الكبيرِ بصفةٍ خاصةٍ سبيلُ النجاحِ والتقدمِ والرقي والحضارةِ، وأنَّ الاحترامَ سببٌ للمحبةِ والمودةِ والتعاونِ بين الناس، وبالاحترامِ تنلْ حبَّ الناسِ واحترامَ الناسِ، فمَن يحترمْ الآخرين يحترمْهُ الناسُ ومَن يقللْ مِن شأنِ الآخرين يقللْ الناسُ مِن شأنهِ، والاحترامُ الحقيقيُّ هو الاحترامُ مِن أجلِ الاحترامِ، فالاحترامُ يجبُ أنْ يكونَ سائدًا بينَ الأصدقاءِ والمعارفِ، فبالاحترامِ تدومُ الصداقةُ، وبغيرهِ تنتهِي أيةُ علاقةٍ إنسانيةٍ؛ لأنّ الإنسانَ بطبعهِ يحبُّ أنْ يكونَ محترمًا ومقدرًا.
عبادَ اللهِ: اذكروا اللهَ يذكركُم واستغفرُوه يغفرْ لكُم وأقمْ الصلاةَ.
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف